ظهراً، يتغدّيان معاً. يتقاسمان الوجبة التي أعدّاها، يتمشّيان معاً، قليلاً، ثم يستأنفان العمل معاً، إلاّ إذا تأخّر قليلاً ليعلّق سترته.
مساء، يغادران معاً، إلاّ إذا تخلّف قليلاً ليرتدي سترته. ويختفيان عن أعين زملائهما، فلا يعودوا يعرفون شيئاً عن الثنائي اللصيق، حتى صباح اليوم التالي... إلا إذا باحا، أو باح أحدهما، لهم بمّا فعلاه معاً، بالطبع، في سهرة الأمس.
ومع مرور الأيام، تتكوّن في عقل مراقبيهما من خلال تحرّكاتهما اليومية المتكررة، صورة عنهما بـ «المثنّى». فإذا غاب أحدهما، لسبب ما، يخيل للمراقب أنه في حضرتيهما. والأدهى أن المراقب يتخيّلهما معاً، كما في منام، إذا صادف أحدهما في الشارع.
وإذا تصادف وجود أحدهما في الشارع، فهذا لا يعني أن الآخر بعيد، بل يعني أنها تأخّرت قليلاً لتشتري علكة بالنعناع، أو أنه تأخّر قليلاً ليرتدي سترته، بعد أن علقت بكرسي المقهى المهجور.
بعد حين، أخذ زملاؤهما يشعرون بضيق من هذا التلازم والتلاصق... أُف! أم تراه ضيق الحسّاد؟
تبدأ العلاقة الزوجية بدعاء ألاّ يفرّق الزوجين إلاّ الموت. والدعاء لا يدخل في التفاصيل، أي إذا ما كان الزواج ثمرة حب أم مصلحة أم شفقة... هو دعاء يقصد به قائله دوام العلاقة بين الزوجين، والتحلي بالصبر والحكمة... حتى آخر العمر وفقا لما ذكرت الحياة اللندنية .
لا شيء جديداً في ذلك، والكل يعلم. والحق أن تلازم الزوجين (وأفراد الأسرة) في البيت والعمل قديم قدم الزمن.
ويحـــدث في مجتمعات الفلاحين، مثلاً. وفيها يمتدّ العمل في الحقل وتفاصـــيله إلى البيت. والعكس صحيح، حين يُفرش الزاد المنزلي على حصـــيرة، ويلتئم الزوجان (وبقية أفراد الأســـرة) على الــغداء في الحقل. فلا مطاعم سريعة هناك، ولا وقت لشراء السندويتشات.
والأمر مماثل في المؤسسات الأسرية، كبائعي الزهور أو صانعي الحلوى، أو تجار الألبسة. حتى أن بعض المؤسسات غير الأسرية، أي تلك التي تقوم على شراكة بين غرباء، يتباهى بأن نسبة الزيجات بين الموظّفين مرتفعة.