أدناه مقالة تصف حال المرأة الطموحة في بلادنا بوجه مخصوص، وكثير من حال هؤلاء النساء من تواجه العقدة ذاتها في البلاد العربية إلا من رحم ربي، ولا عجب أن أعلى نسبة تأخر الزواج والعنوسة هم من هذه الفئة الطموحة من صاحبات الشهادات العليا، فهل العقدة في المرأة نفسها أم في الرجل نفسه؟ أترككم مع المقال
المرأة الطموحة في مجتمع ساكن
والواقع أن هذه المرأة التي تعتبر مثالية ونادرة ورمزاً للبهجة والجمال في نظر الزوج الذي يفهمها، هي في الوقت نفسه مصدر نكد وتعاسة لنوع آخر من الرجال الذين يعيشون عالمًا مختلفًا عن عالمها فلايفهمونها كما هي، بل يفهمونها بشكل مغلوط من رجال ومن نساء، ويمكن أن توصف بالأنانية أو الغطرسة أو الغرور أو الجرأة لأنها ببساطة لا تعيش حياتها كبقية المجموعة ولا تفكر وفق المنظومة التقليدية لبقية النساء ممن ينحصر تفكيرهن في إنجاب أكبر قدر ممكن من الأطفال وإفناء الوقت في الطبخ والغسيل ثم تمضي الواحدة منهن ما بقي من وقت في الصراخ والعويل واللعن لأطفالها ولمن حولها حتى تهرم وتشيخ قبل أوانها ثم ربما تبدأ بالنياح على أولادها وبناتها لكي يرعوها ويتركوا حياتهم وكل واجباتهم من أجلها وكأنها بهذا تريد مكافأة ذاتها على عمر فني.
إن المرأة الطموحة تجد نفسها في تقابل صراعي مع المرأة التقليدية، ففي الوقت الذي تتقد فيه حماسا وعملا نجد المرأة التقليدية تغص بحسرة على حياتها رغم تعمدها مدح إنجازاتها مع أطفالها وتربيتها لهم ليكونوا على ما هم عليه الآن، هذه الحسرة تتفجر بشكل جلي كلما لاحظت أحد أولادها يتذمر منها لأي سبب فتسارع بتعنيفه وتذكيره بتضحيتها بأحلامها وحياتها ودراستها (إن كانت تدرس) لكي ترعاه، ورغم أن الإنجاب ثم الرعاية كانا قراراً أخذته وحدها وبمحض إرادتها حينما كانوا أطفالا دون الرشد ولم يشاركوا لا من قريب ولا من بعيد به إلا أنها تُحملهم الذنب إما بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي مقابل ذلك لا تعاني المرأة الطموحة من قلق مطاردة أولادها وبناتها، فهي تؤمن باستقلالية كل شخص وتقدر ظروفهم وتسعى إلى مساعدتهم بدلا من طلب العون منهم.
في الحقيقة لم أنو أن أقارن بين شخصية المرأة المتقدة والمرأة الموقودة إلا أنه ليس من المعقول أن نتكلم عن نمط خاص ونادر من المرأة ولا نذكر النمط التقليدي الشائع والذي يجد فيه بعض الرجال سلوتهم حينما يهمون بالبحث عن زوجة، بينما ربما تظل عقولهم وقلوبهم تنشد النمط الحيوي الحماسي الذي يشعرون من خلاله ولو بالتفكير فقط أنه نابض بحياة مثيرة للغاية؛ لكن واقعهم يجعلهم يرضخون للبحث عن السلام مع المرأة الخاملة التي يقتصر طموحها على تنفيذ الدور التقليدي لأي أنثى في هذه الحياة.
وحين الحديث عن المرأة الطموحة مهما كان عملها وتخصصها فإن حياتها الزوجية إن لم تكن مع رجل كامل الثقة برجولته ونفسه فإنها ستظل تعاني من زوجها الذي يصبح عقبة في طريق سعادتها بدلا من أن يكون مصدر سعادتها كاملة. وقد يلاحقها بشكوكه وبغيرته حتى يحول حياتها إلى جحيم لا يطاق، وهي في الوقت نفسه لن تتركه على حاله بسبب قوة شخصيتها فستذيقه الأمرّين إن تصدّى لها بعنف، ولن يهدأ هذا النوع من الزواج إلا بالفراق أو الموت طال الزمن أو قصر.
في مقالة الأسبوع الماضي تحدثت عن الزواج بسيدة تعمل في المجال الصحي وقد شرحت بعض الأفكار المغلوطة حول عمل الطبيبة، وقد أسعدني التفاعل بكل صوره مع المقال وأشكر كل من كتب رأيه حول الموضوع. ويمكن أن أستشف بشكل عام من ردة فعل القراء أن هناك ثلاث فئات تقريبا من الشباب: هناك من يرغب بالارتباط بفتاة تعمل في المجال الصحي وذلك للأسباب الصحيحة، وهناك من يرغب بالارتباط بها ولكن من أجل راتبها المرتفع مقارنة بغيرها، وهناك من يرفض تماما الفكرة برمّتها.
وعلى أي حال وبشكل عام ربما هناك نوع من الخوف لدى البعض من الزواج بامرأة تعمل في مجال غير تقليدي بحكم أن العمل التقليدي للسيدة السعودية هو التدريس في التعليم العام. هذا التخوف رغم أنه قد يداري رغبة خفية في التعرف على هذه المرأة غير التقليدية إلا أنه يظل قويا بما فيه الكفاية لكي يمنع بعض الشباب من أن يجازفوا بمعرفة واقع لطالما شابه اللغط والجدل.
وإن صح لنا تسمية بعض النساء العاملات بالمجال الطبي أنهن طموحات خصوصا اللاتي يقررن إكمال مسيرة تعليمهن بتخصصات مختلفة إكلينيكة وبحثية فإنه يمكن أن نستنتج أن هناك ربما نوعا من العقاب الاجتماعي للمرأة الطموحة والتي ترغب بشيء مختلف عن غيرها.
يفضل الكثير من السعوديين البحث عن شيء معروف ومألوف، وربما يعود السبب لتخوفهم من عاقبة الاختلاف أو ربما للتوافق مع الأسرة والبعد عن المشاكل أو لعدم ثقة بالنفس حيث لا يعلم إن كان قادرا كفاية على احتواء هذا الاختيار المختلف عن الآخرين لأنه لا يملك خبرة بذلك من شخص آخر ولا يعرف إن كان سيعينه أحد بنصيحة خصوصا أنه شذ عن بقية الركب الذي يشبه بعضه بعضا.
إنه لأمر مثير للحزن أن يكون لدى شريحة عريضة من السعوديين آراء متطرفة بحق المرأة إما بخصوص تعليمها أو عملها أو دورها الاجتماعي بحيث يعتبر بعض الرجال والكثير منهم في مرحلة الشباب وربما كذلك قبل الزواج أن المرأة لم تُخلق إلا لعمل الطبيعة وإنجاب الأطفال. ونظل نناقش هل المرأة تصلح للعمل والتعليم وهل هي قادرة عقليا على الإبداع بينما غيرنا يخصص منحا دراسية في درجات علمية عالية وتخصصات دقيقة للمرأة بحيث يضمن لها القبول المبدئي فقط لكونها أنثى، وذلك لتشجيع النساء على دخول مجالات علمية غير تقليدية!
يتساءل الكثيرون عن أسباب تخلف العرب الحضاري عن غيرهم وأتوقع أن أهم الأسباب طريقة التفكير ذاتها فنحن بارعون للغاية في تحطيم ذواتنا وتقزيم أنفسنا أمام الآخرين وتحديد قدراتنا وتكبيل طاقاتنا، فعشقنا بذلك الكسل والشيء العادي المألوف الذي لا طعم ولا لذة به. وعرفنا من خلال حياة تكرر نفسها أن الحياة بالظل نعمة والبعد عن أعين الناس الحسودة خير، فخسرنا بذلك لذة الحياة وأصبحنا نتوق لعالم آخر بعيد عن الواقع الذي لم يفهمنا والذي فرض نفسه علينا ولكن مع ذلك الشوق والحنين والأنين مازال الكثيرون يعيشون حالة ضياع نفسي وانفصال عاطفي عن الواقع الذي لم يعرفوا كيف يستغلونه لصالحهم لأن أكبر همهم هو إرضاء الآخرين والبعد عن غضب الأهل وسخرية العشيرة. انشغلنا بالأفكار السلبية ونسينا أن عقولنا قادرة على خلق أفكار إيجابية بذات القوة! نعجب بالغربيين وكأنهم خلقوا من شيء لم نخلق منه ولم نستغل هذا الإعجاب لتصحيح ما نراه خطأ والتفكير بمعالجة مشكلاتنا بل زدناها كما أكبر من المشاكل بهروبنا من الواقع وقبولنا لأخطاء الآخرين بحق المجتمع وكأن الأمر لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد.
هذه الأفكار يمكن أن نتكلم بها وفق أي موضوع كان، فخراب الحياة أو صلاحها يبدأ من البيت، الذي يعتمد على عقلية الفرد الذي يعيش به، فمتى نترك الخوف من المختلف ونستبدل ذلك بروح تقبل وترحب بالتميز والاختلاف المثمر؟
* كاتبة سعودية
المصدر
جريدة الوطن